استطاعت إمارة دبي في غضون سنوات استقطاب كبرى الشركات والمؤسسات العالمية للاستثمار فيها أو فتح مقار لها في مختلف المجالات بما في ذلك سلاسل المطاعم العالمية، وذلك ليس بغريب لأن دبي تصنّف اليوم على أنها واحدة من أسرع المدن نمواً في العالم، ومن أعلاها أداءً من حيث النمو الاقتصادي.
ما يدعونا لهذه المقدمة ليس الإشادة بجهود إمارة دبي فحسب، بل لأننا نقول إن دبي على الرغم من كل ما حققته ما زالت تصرّ على مواصفات والتزامات يتعيّن على جميع المستثمرين الالتزام بها؛ حفاظاً على بنية اجتماعية للإمارة، وحفاظاً على معايير اقتصادية تنافسية تحتّم عليها ذلك.
مناسبة حديثنا هذا، خبر تناقلته وسائل الإعلام المختلفة عن نشرة «داو جونز» التي قالت إن مستثمراً كويتياً اختار إمارة دبي لافتتاح أول فرع عربي لسلسلة المطاعم الأميركية «هوترز» المعروفة بنادلاتها ذات الصدور «العارمة، والثياب المختصرة».
أقلقنا وأحزننا هذا الخبر كقراء وكسكان لهذه الإمارة التي ننظر إليها بكثير من الإجلال والتقدير. المستثمر الكويتي له أسبابه عندما يبحث عن مكان آخر غير الكويت ليفتتح مثل هذا المطعم، سواء كان هذا المكان إمارة دبي أو إمارة أخرى، لكن ما يحزننا من تصريحه، أنه لا يتوقع أن يواجه أي نوع من الحظر والتقييد حول ثياب النادلات.
لاعتباره أنها «لن تكشف أكثر مما تكشف عنه الثياب التي تشاهدها على شواطئ دبي»، لقد أصبحت شواطئ دبي في نظر هذا المستثمر الخليجي وغيره بما تعرضه من مشاهد معياراً لما يمكن أن يحظر أو يقيّد، وكأن هذه الإمارة تخلو من أنظمة وقوانين ولوائح تمنع اختراق الآداب العامة وتجاوزها تحت مسمّى «الحرية الشخصية».
وكأن «التعري» أصبح سمة مقبولة لمن هم في دبي، مع أن الواقع الذي نعرفه أنها ممقوتة للغاية ـ بالنسبة لسكان الإمارة الأصليين والمقيمين المحافظين، لاعتبارات دينية وأخلاقية واجتماعية، جعلتهم ينأون بأنفسهم وأبنائهم عن زيارة مثل هذه الأماكن وغيرها، لكي لا يرون مشاهد تتعارض مع مبادئ وقيم يربوّن أبناءهم عليها.
لسنا ضد استقبال أي سلسلة مطاعم أو شركات وفنادق تضفي سمة التنوع على نشاطات هذه الإمارة وتزيد الناتج المحلي لها، لكن ليكن هذا الاستقبال مناسباً لثوابت ومرتكزات هذا المجتمع الذي تتملكه غيرة على دبي وعلى كل شبر فيها، لأنه أحب وعشق كل شبر فيها.
قد يكون المطعم فشل في تقديم وجبات تغري الزبائن، فلجأ إلى الإغراء الجسدي، لكن ذلك يبقى ليس بالعذر الذي يجعلنا نستقبل سلسلة مطاعم بنادلات شبه عاريات، ونفتح أبوابنا لها بحجة أنها «سلسلة عالمية»، ولأن السماح لها سيُعتبر بداية للسماح بأمور أخرى مستقبلاً ربما تكون أكبر وأعظم وأشد وطأة على نفوسنا تلك التي لن تحتمل المزيد.
لا ننكر الحرية والانفتاح اللذين تتميز بهما دبي عمن سواها، لكننا نؤمن بأن الدول التي تمتلك بنية تحتية فعّالة ومهمة للتنمية الاجتماعية، هي وحدها القادرة على الحفاظ على مستويات عالية من النمو الاقتصادي. استراتيجية دبي 2007 ـ 2010 التي أعلنها حاكم دبي، حفظه الله، في فبراير الماضي تناولت في قطاع التنمية الاجتماعية محوراً غاية في الأهمية وهو حماية الهوية الوطنية، فهل هذه السلسلة من المطاعم وما قد يتبعها من انفتاح أكبر وتجاوزات أكثر يزيد حسّ الانتماء والوعي بالثقافة الوطنية؟
نحن نتحدث عن مطاعم قد يزورها كبارنا وصغارنا، ولا نعتقد أنها ستضع لافتة تحدد أعمار زوّارها، فكيف سنسمح بذلك؟ وماذا سنحظر ونقيّد بعد ذلك، إن كان التعري قد وصل إلى من يطعم بطوننا؟ نأمل أن يكون الخبر مجرد بالون اختبار لردة فعل شعبية، وحلم لا يبارح مخيلة مستثمرنا الكويتي، وإن تتحقق فبعيد عن إمارتنا دبي.
الأحد أكتوبر 07, 2007 8:38 am